التاريخ لا يُدرس من مذكرة!







التاريخ لا يُدرس من مذكرة!





من الأفكار الشائعة حول دراسة تخصص التاريخ أنه يعد من أسهل التخصصات الأدبية، حيث يعتمد الطالب فيه على ذاكرته القوية ويقوم فقط بحفظ التواريخ المهمة وسير أشهر الشخصيات التاريخية، خصوصاً أن الكتب المدرسية تعزز هذا المفهوم حيث يركز التعليم بالمرحلة الثانوية على الحفظ دون الفهم، وإعطاء نبذ بسيطة عن أحداث كبرى في تاريخ العالم وإهمال ذكر تفاصيلها المهمة، مما قد يشجع بعض الطلبة على اختيار هذا التخصص لاعتقادهم سهولة النجاح فيه، وأعترف إني كنت من هؤلاء الطلبة.
إلا أن الأمر كله يتغير مع التعمق في دراسة التخصص بالمرحلة الجامعية، فنكتشف كتب الطبري وابن اثير ورأي ابن خلدون ودور المستشرقين في تدوين تاريخنا الحديث، ويبدأ الطالب باستيعاب أن دور التاريخ أكبر من إعطاء العبر والدروس وإنه اذا ما استطعنا القول هو صمام الأمان في حفظ هوية الأفراد و الشعوب، فأحداث الماضي هي الأساس الذي صنعنا اليوم، وأحداث اليوم هي ما ستصنع مستقبلنا، ولا يخفى دور هذا العلم الكبير في خلق الوعي والتأثير على ثقافة المجتمع.
وعلى الرغم من أهمية هذا التخصص و حساسيته، لازالت هناك مشكلة مستمرة منذ مقاعد الدراسة في المرحلة الثانوية إلى مقاعد الجامعة، وهو أن الطالب يُدفع لأخذ المعرفةمن مصدر واحد فقط، ويعتمد غالبية الطلاب في الجامعة على دراسة مقررات التاريخ من مذكرات أو في أحسن الأحوال يلجأون لكتاب ينظر للتاريخ من نافذة شخصية غالباً لا تصور الحقيقة التاريخية كما هي.
وعلينا هنا أن نطرح سؤالاً مستحقاً لماذا يلجأ الطالب إلى أخذ المعلومة من المذكرة؟ ويسعى للحفظ دون الفهم!؟
وأنا لن أدعي أني أملك جواباً كاملاً، ولكن سأحاول أن أعرض فهمي لهذة المسألة، وخصوصاً أنني طالبة في قسم التاريخ وأعتمد في أغلب المقررات على المذكرات، وسأذكر أسبابي.
أولا المذكرات سهلة الحفظ وتحتوى على الأجابة النموذجية التي يريدها الدكتور أو الأستاذ والخروج عنها قد يوقعني في الخطأ، وثانيا وهو الأهم نظام توزيع الدرجات الذي يعتمده أغلب الدكاترة والأساتذة الأفاضل في الجامعة، وهو ٥٠٪‏ من الدرجة الكلية للمقرر على الأختبار النهائي ( الفاينل) الذي يتم نهاية كل فصل دراسي لمدة ساعتين.
بمعنى أن الساعتين تساوي جهد ثلاثة أشهرمن الحضور والمشاركة وعمل البحوث وحضور الندوات وأوراق النقد، حيث المقصد الأساسي من ( الفاينل) التأكد من حفظ الطالب للمقرر الذي درسه.
فنظام الفاينل إن صح لي قول ذلك، أصبح نظاماً قديم وغير مجدي في عملية التعلم، بل دعوني أذهب لأبعد من ذلك تحول لعائق ثقيل أمام عملية التعلم الحقيقية التي يكون محورها الأساسي الطالب، فهذا النظام يلغي حق الطالب باكتشاف المعرفة، وتجعل محورها الأساسي ( القريد) الذي سوف يخرج به الطالب من المقرر.
ولا ننسى بتأكيد دور بعض الدكاترة في الإعتماد على مرجع واحد لتدريس المقرر، وتأكيدهم على تبنى وجهة نظر واحدة طوال الفصل الدراسي.
ان هذا النظام لا يصلح لمقررات التاريخ، وذلك لان دراسة التاريخ تقوم على الحرية، اذ ان الدراسة التي تقوم على مصدر واحد للعلم تلغي حق الطالب في تبني وجهة النظر التي ترضيه، فالتاريخ لا يدرس من عين الطبري أو رأي السخاوي، بل يجب أن تفتح جميع النوافذ التي نستطيع أن نرى من خلالها التاريخ.
وأعتقد أن الأساتذة يستطيعون تقليل عيوب هذا النظام القديم، من خلال تقليل درجة الفاينل من ٥٠٪‏ إلى ٣٠٪‏ فيخف قلق الطالب وخوفه من الإختبار النهائي، و أيضاً تشجيع الطلبة على عمل البحوث و التقارير و أوراق النقد التي تدفعهم للتخلي عن المذكرات و الأطلاع على مصادر معرفة مختلفة، والسماح لهم بتبني وجهات نظر جديدة والتعبير عنها.
وهنا نخرج الطالب من مرحلة حفظ المعلومة إلى البحث عنها، ولا بد أن ننوه إلى نقطة مهمة يجب قبل أن نحث الطالب على البحث عن المعلومة أن نتأكد أنه يعرف كيف يبحث عنها، وقبل مطالبته بعمل البحوث والتقارير أن نتأكد من أنه يمتلك المهارات الأساسية لهذه العملية، وعلى الدكاترة الأفاضل مراعاة مخرجات التعليم السلبي، فالكثير من الطلبة يتخرجون من الثانوية العامة وبالنسب العالية أيضاً ، وهم لا يعلمون ما هي أساسيات كتابة البحث و التقرير، وهي مشكلة أخرى تستدعي النظر لها بجدية.
وعلينا أن نؤكد أن علم التاريخ هو علم النقد والتحقيق، فعلينا ألا ندرس رأياً واحداً بل آراء متعددة، وإن نتعلم كيف نفحص هذه الآراء قبل حفظها، وكيف نخضعها لعملية التشريح في محاولة لسعي لاكتشاف الحقيقة التاريخية، وإن من حق كل طالب أن يختار وجهة النظر التي ترضي شغفه بالعلم أو حتى حقه في صنع وجهة النظر الخاص به.

بقلم : مشاعل المطيري
‎‫‪@Mhj962‬⁩ ‬

تعليقات

  1. مقال رائع
    كم تمنيت أن يكون العنوان
    ( ثانوية الآداب )

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نادي التاريخ الثقافي

المذكرات الشخصية كمصدر تاريخي

( النساء في الاندلس )