طلبة التاريخ في كوكب المريخ





تلقيت رسالة خاصة من نادي طلبة قسم التاريخ يدعوني فيه لكتابة مقال تحفيزي لطلبة التخصص الذي عشقته بالسر ولم أكشف هذا العشق إلا وأنا "متدبس" في كلية العلوم، وبعد نجاحي في الهروب من الخالدية إلى كيفان وجدت نفسي أمام مواد التخصص التي أبحرت بي بين ثنايا كتب التاريخ، فمرة "أخاوي" الإسكندر المقدوني في مقرر التاريخ الهلنستي، ومرة أقف محاربا مع عقبة بن نافع في مقرر تاريخ الغرب الإسلامي، وتخيلوا كم الشخصيات والأحداث التي عشتها وواجهتها في اختبارات المقررات الدراسية، لم أكن من طلبة القسم المتفوقين لكني كنت مشاغبا للعديد من الأساتذة حينما أحاول مجادلتهم في قضية تاريخية أو أعلن ترأسي لمحكمة التاريخ ضد بعض الأحداث والشخصيات.

من الصعب أن أكتب مقالا اليوم وأنا احترف الرسم الكاريكاتيري، فالرسم عندي هي أداتي في التعبير ومع ذلك كان لي مقال نشرته في جريدة آفاق الجامعية نشرته في الفصل الأخير من حياتي الجامعية، كان عنوانه "طلبة التاريخ في كوكب المريخ" كان مثار جدل بين الزملاء الطلبة والأساتذة بالقسم والكلية ووصل لحد محاصرة مسؤولين الجريدة لمعرفة من وراء المقال، وبعد التوصل لصاحب المقال وهو أنا صار التخرج حلم ربما يترحل لولا "المصالحة التاريخية" التي تمت بيني وبين شخص ما لن أذكره حفاظا على الاتفاق الذي أبرمته شفهيا معه، أتذكر كم سهرت لكتابة البحوث والتجهيز للمناقشات داخل القاعات ناهيكم عن تذكري لعدة أفكار نسجتها مثل عمل بحوث حول تاريخ الحركة الطلابية وتاريخ التعليم الجامعي في الكويت وغيرها من أفكار أجلتها كثيراً.

كانت ذكريات جميلة لا أود حذف أي صفحة منها مهما كانت بعض تفاصيلها المؤلمة أو غير السعيدة، لم أحصل كثيرا على درجة "ممتاز" لكني في قرارة نفسي كنت أستحق بعضها لولا أنني أضعت بعضها بسبب تقصيري في الدراسة(اعترف لأول مرة بذلك) نعم الاعتراف هو سيد الأدلة لدى أهل القضاء.٠، والاعتراف لدى من يدرس التاريخ هو عبرة ودرس حقيقي يجب التوقف عنده وعدم تكراره وإلا لما الحاجة من دراسة التاريخ البشري وهو مليء بالأخطاء ونحن لم نمعن النظر في عدم الوقوع فيها، وأيضاً لم نتعرف على آخر ما توصل له الإنسان من تجارب مفيدة فلا نبدأ من الصفر بل نكمل الطريق نحو المستقبل.

زملائي زميلاتي أنا مستمتع جداً ومنذ عشرة أعوام مضت في مهنة التدريس، لمادة التاريخ للمرحلة الثانوية، فما درسته في الجامعة استثمرته في طلابي، لمهنة التدريس تعد من الفرص الوظيفية الرائعة التي ربما فكر بعضكم بها بعد التخرج، ومهما قيل ويقال من سوء عن مهنة التدريس في وزارة التربية لم ولن يحرضني يوما على ترك هذه المهنة الإنسانية، وأكررها مرارا أنا مستمتع جداً ووصلت لمرحلة نقلي لتجربتي الممتعة للمعلمين والمعلمات، وبفضل من الله اشغل منصب رئيس قسم وأطمح كما العظماء الذين درست عنهم أن أكمل الطريق نحو منصب رفيع لأكون مساهما في بناء الوطن الذي قرأت عنه بأنه كان رائدا في النهضة بالمنطقة.

اكتشاف متأخر!
كنت طموحا في المساهمة في التغيير نحو الأفضل من خلال الانشغال بالحياة السياسية، لكن بعد انغماسي بالتربية والتعليم والعودة لقراءة التاريخ، أيقنت بأن الاهتمام بالتعليم في أي بلد والتركيز على دور المدرسة هو كفيل بانتشال الأمم وتقدمها، دعوة لقراءة كتب حول تاريخ التعليم في الكويت وزيارة لمتحف المدرسة المباركية وستعرفون السر وراء سمعة الكويت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.


أخوكم بدر بن غيث
ليسانس تاريخ - كلية الآداب من جامعة الكويت ٢٠٠٥

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نادي التاريخ الثقافي

المذكرات الشخصية كمصدر تاريخي

( النساء في الاندلس )