النينجا ... حقيقة أم خيال !





   رجل بملابس سوداء، يمشي على الجدران كالعنكبوت، خفيف كالهواء، سريع كالقط، مدجج بالأسلحة، يُخرج لهبا من انفه، ما إن ترمقه بنظرة يختفي كالدخان و يظهر في مكان أخر، حيث الهدف يكون قد أرخى دفاعه، وحوله الآلاف من الجنود، مستلقيا في ليلة حالكة، بينما حارسه الشخصي بالخارج يختنق بين يديه خلف الباب الموصد.. فينفتح الباب شيئا فشيئا ليجد الهدف نسيم هواء لطيف خلفه.. نسيم قاتل! حتى يجد نفسه جثة هامدة تسبح في دمائها!

   نعم.. هذا ما اعتدنا عليه عندما نشاهد الأفلام حينما تروي قصة بطلها يكون النينجا، رجل بقوى خارقة لا مثيل لها. لكن، إذا كان ذلك بالأفلام، فمن هو النينجا إذاً؟

   انطلاقا من هذا السؤال سوف أبدأ بكتابة جانب بسيط مختصر من الجوانب العديدة عن هذا "الكائن".. و لكن بنظرة أكاديمية تاريخية بعيدة عن الخيال، و لعل الأيام تسعفنا بالمستقبل لكتابة الجوانب الأخرى إن شاء الله.

أصل الكلمة "نينجا" أو "شينوبي":

   يرجع أصل الكلمة إلى مصطلح "شينوبي نو مونو"، فشينوبي تعني بالكانجي "يسرق" أو "يخفي بعيدا" ، أما كلمة مونو فتعني "شخص" ، فعندما تجمع الكلمتين تصبح حرفيا "الشخص الذي يخفي الشيء بعيدا" ، أما المعنى فهو الجاسوس - حيث يخفي وجوده - ، أو الذي يغتال – حيث يسرق الروح أو يخفيها من الوجود - ، أما كلمة "نينجا" فهي كلمة تكونت بسبب التأثير الصيني اللغوي الذي طرأ على اللهجة اليابانية و التي تعرف اليوم بالكانجي و لكن بشقها المعروف بـ "اونيومي".

بدايات و نشأة النينجا:

   تقول الأسطورة، أن النينجا نشأ من كائن أسطوري، نصفه إنسان و نصفه الثاني غراب، أما من الناحية التاريخية فاغلب المؤرخون اتفقوا أن النينجا نشأ وظهر ما بين 600-900 م ، حيث ينسبون فكرة النشأة إلى كون تكونها كفكرة فلسفية مضادة لفكرة الساموراي، و هم الطبقة الارستقراطية بالمجتمع، الا ان التأثير الفعلي للنينجا بدأ في القرن الرابع عشر، عندما بدأت أنظار "الدايميو" أصحاب الإقطاعيات ترقب هؤلاء المهرة، لاستعمالهم لأغراض الجاسوسية و الاغتيالات و التخريب و مراقبة الأعداء و قطع الطرق عليهم ...الخ، فدخلوا في عدة حروب و صراعات أهمها حروب النانبوكوجو 1336 م ، حيث كان الصراع محتدما ما بين الشوغن و الإمبراطور، ثم دخلوا في حرب الاونين لمدة 10 سنوات، بعد سيطرة أسرة الاشيكاجا على الحكم.
   فبدأت شمس النينجا بالإشراق، و تكونت عندها المجاميع و النقابات، و أصبح لها تشكيل هرمي واضح، فكانت أعلى رتبة تدعى بالـ "جونين" و تقوم هذه الطبقة بأداء مهمتها بقيادة النقابة، ثم تأتي طبقة الـ "جونين" -بالجيم المثلثة-  حيث تساعد القادة بالمهمة و تعتبر هذه الطبقة كالذراع الأيمن لهم، ثم تأتي طبقة الـ "جينين" و هم العملاء الميدانين، و الذين يقومون بالمهمات الموكلة إليهم.. حيث تتلطخ سيوفهم بدماء الهدف.

آخر وقفة للنينجا:

   كما يقال "ليس كل ما يلمع ذهبا"، و ليس كل نينجا بالضرورة يكون نينجا محترفا.

   لذلك قامت في مقاطعتي ايقا و كوجا، أماكن تدريب خاصة لإنتاج نينجا مدربين محترفين قادرين على إتمام مهمتهم دون أن ترتعد فرائصهم، إلا أن احد الدايميو و يدعى اودا نوبوناغا الملقب "بالملك الشيطان" قام بالهجوم على هذه المقاطعتين، و الأسباب في ذلك عديدة، أهمها أولا أنها كانت تمثل خطرا على توسعه، حيث أن النينجا يمكن استعمالهم مقابل المال مما يجعل خصمه أقوى و أشرس أضعاف المرات، ثانيا لجوء خصومه من قبيلة كيتاباتاكي – أو كيتاباتاكيس- إليهم، و من الجدير بالذكر أنهم حلفاء قبيلة موري الشهيرة و الذين كانوا من ألد أعداء نوبوناغا، مما جعل ابن نوبوناغا –بايعاز من أبيه- المدعو اودا نوبو يقوم بالهجوم أولا على قلعة ماروياما عام 1579 م و السيطرة عليها و تحصينها، إلا أن من سخرية القدر أن من كان يعمل على تحصينها كانوا من النينجا، مما جعل القلعة فريسة لنيرانهم.

   غاضب، حاقد، مشعل بنار الانتقام، قام اودا نوبو بالهجوم عليهم في ايقا بجيش قوامه حوالي 10 – 12 ألف مقابل جيش لا يتعدى الـ 5 ألاف ، إلا أن عامل السرعة و الخفة و الذكاء و معرفتهم بجغرافية الأرض، كان حليف النينجا، حيث قاموا بالهجوم من عدة أماكن، أولا من الأمام لصد الزحف في ممر ضيق، الثاني من الخلف لقطع طريق العودة، الثالث من الجانبين على المرتفعات مستعملين الأسلحة النارية البرتغالية و الأسهم، مما جعل جيش نوبو يعيش حالة من الرعب و الضياع، مما جعلهم يقتلون أصدقائهم بالخطأ ظنا منهم أنهم الأعداء، و منهم من قام بارتكاب السيبوكو و هو قتل النفس و الانتحار حتى لا يضيع شرفه كمقاتل بين يدي عدوه.

   هنا قام نوبو بالانسحاب بأعجوبة إلى أبيه متجنبا سهام و طلقات العدو، إلا انه لم يسلم من كلمات أبيه اللاسعة، حيث وبخه أبيه بشدة و قال له : "خذ معك شينوبي – نينجا -! فالقيام بذلك وحده يكفل لك الانتصار!".
   هنا بدأت ملامح المعركة الحاسمة بالوضوح، و بدأت رايات نوبوناغا تظهر بدلا من ابنه، فكانت هذه المعركة مثال لمقولة شكسبير في مسرحية هاملت "تكون أو لا تكون!"، هنا قام نينجا ايقا بأخر قتال رسمي، يكونون فيه صفا واحدا ضد الخصم، و هو اودا نوبوناغا.

   ففي سنة 1581 م قام نوبوناغا بجمع حوالي 40 ألف جندي، و هذا دليل على عدم استهانته بالخصم من جهة و عظم خطرهم من جهة أخرى، للهجوم على ايقا، و يبدو هنا انه استعمل نصيحته بخصوص تجنيد النينجا، فأخذت حشود نينجا كوجا بالقدوم إليه للقتال ضد نينجا ايقا، فدارت المعركة، إلا أن نينجا ايقا استسلموا بالأخير، و على الرغم أن الكثير منهم قد هرب، إلا أن نوبوناغا قام بمجزرة للقضاء على نفوذهم.

   على الرغم من ذلك، إلا أن شمعة النينجا لم تنطفئ، حيث كانت لهم ادوار عديدة على مرة التاريخ، إلا أن المؤرخون اتفقوا على أن دورهم في قمع تمرد شيمابارا 1638 م للحد من النفوذ المسيحي السياسي هو أخر تسجيل رسمي لهم بالتاريخ.

   إذا هنا عرفنا 3 أمور عرضناها لكم باختصار، أولا أصل الكلمة، ثانيا نشأة وبدايات النينجا تاريخيا، ثالثا هل وجودهم محض خيال أسطوري نسج في أذهاننا أم واقع تاريخي مدون بالسجلات و الوثائق، رابعا و أخيرا دورهم بالتاريخ و نهايتهم الرسمية. إلا أن ذلك لا يعني نهاية الطريق لهؤلاء النينجا. كيف ذلك؟

   سنرى ذلك في القريب العاجل إن شاء الله.

بقلم: عبدالله فاضل كرم القلاف.
تخصص تاريخ - كلية الآداب / جامعة الكويت.

Twitter: @A_F_K_Alqallaf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نادي التاريخ الثقافي

المذكرات الشخصية كمصدر تاريخي

( النساء في الاندلس )