(إنباء الحيارى عن مرادنا من زيارة بخارى)



 (إنباء الحيارى عن مرادنا من زيارة بخارى)

إن الطبيعة البشرية تدعو للتعرف على الشعوب وأراضيها التي لطالما كانت سبب للتأثر والتأثير بل وقد تكون هذه الأرض التي استقر عليها شعب ما هي أول أسباب تأثره وصناعة ثقافته سواء العلمية أو العملية الحرفية .

هذه الطبيعة تتجلى عند المؤرخين أو عشاق التاريخ فتراهم يقوم برحلات ثقافية للبلدان الأخرى للتعرف عليها وعلى شعوبهم وهذا ما يميزهم عن غيرهم فهم أهل علم ودراية زاد من قيمة علمهم ودرايتهم التواجد في ميدان معالم الحضارات المختلفة واختلطو بورثتها وأهلها .

على سبيل المثال ها نحن من وسط بخارى العريقة أكتب لكم هذه الكليمات مستشعر قيمة الرحلات العلمية وفوائدها الغنية فهي خير معين لفهم التاريخ والآثار بل وهي أقرب الطرق صدقاً وتثبتاً لدراسة معالم هذه الحضارات وأيضاً انعكاس ذلك على ثقافة شعوبها الحالية التي نشأت على نفس الأرض مع اختلاف الثقافات التي نتجت عن طريق تعدد سياسة من حكمها وفرض ثقافته أو شيء منها على أهلها كالفرس قديماً  السامانيين الترك المغول وأخيراً روسيا بعصريها القيصري والبلشفي (الاتحادي) ، وأيضاً من الناحية الدينية فهنا تجد اثار المحدثين والصوفية والزرداشتية.

عندما تسمع من أهل بخارى وترى عدد المدارس الحديثة والقديمة التي على رأسها مدرسة أمير عربي ( مير عرب ) التي دخلنا بوابتها ونظرنا لساحاتها من خلف الشرفة المطلة مع عدم مقدرتنا لدخول فصولها وساحتها بسبب الإجازة الرسمية ؛ تعرف من ذلك مدى قيمة العلم والتعليم عندهم كإرث حضاري ثقافي نشأت عليها أجيال متعاقبة ولدت بين المدارس العريقة التي هي من معالم هذه البلد وهي أيضاً خير محفز لأهله وزواره ، ناهيك عن الزخرفة الفنية والحس العالي في إختيار الألوان وترتيبها وتناسق أفكار أصحابها الذي ترجموا طموحاتهم من خلال الرسومات الدقيقة والألوان اللطيفة.

ثم إني تأملت ببعض أخلاق وطبائع أهلها الأكارم فوجدتهم هادئين الطبع قليلين الصخب محبين للفرح يصنعون سعادتهم ببساطتهم، سلمنا على أحدهم مرة من بعيد فقام يرد السلام على فرد فرد منّا ( قد يكون ذلك تعطش لثقافتهم الأصيلة ! ) وعند السلام والشكر تجد أحدهم يضع يده على صدره كنوع من الإحترام وهي عندهم رمز لسلامة الصدر.

مثل هذه الرحلات تعين المؤرخ على فهم التاريخ وكتابته بشكل محترف فهو إن أراد أن يكتب عن بلد لابد وأن يزورها ابتداءً ويتعرف على اهلها وثقافاتهم المتوارثة التي تشكل حضارتهم وأيضاً يجب عليه أن يسأل ويستكشف الأماكن والمعالم فما كتبه الحموي وابن بطوطة وغيرهم كان ذلك إما لمعاينتهم أو عن نقولاتهم أما المؤرخ في هذا الزمن لابد وأن يكتب ما رآه فقد دثرت معالم وعمرت أخرى وبني على انقاض بعضها معالم جديدة وان كانت مشابهة فهي ليست الأصل الذي نقرأه بكتب الأوائل وهذا ما يجعل السبق للمؤرخ الفذ، لذلك عزم قسم التاريخ في جامعة الكويت لزيارة أربع مدن في أوزباكستان وهي طشقند خوارزم بخارى وسمرقند كرحلة توثيق ومعاينة لمعالم هذه المدن ومعرفتها عن قرب عن طريق المتخصصون من أهلها .


ما بعد النقطة :
كتابة التاريخ ليست دائماً تعتمد على المصادر المطبوعة فقد يجد المؤرخ الرحّالة أحياناً فوائد ومعالم قد غفل عنها بعض الكتّاب لأسباب أو أنها استجدت بعدهم .


بقلم: فهد بن رشاش 
من وسط مدينة بخارى (الهادئة)


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نادي التاريخ الثقافي

المذكرات الشخصية كمصدر تاريخي

( النساء في الاندلس )