الهمج ودول الخليج وذكاء المجتمع






عندما تسلم الإمبراطور الياباني ميجي السلطة عام ١٨٦٨م جمع النخبة الوطنية اليابانية من حوله وإتفق معهم على أن يُقْسِمْ الكل على خمسة بنود وهي:

بداية القسم (هذا القسم وضع لنحقق أحلامنا ببناء أمة ثرية على أسس عريضة وإقرار الدستور والقانون)

١-تشكيل مؤسسات حرة ويكون إقرار جميع الأمور عن طريق النقاش المفتوح
٢-ينبغي توحيد جميع الطبقات بشكل قوي لتحمل مسؤولية إدارة أمور البلاد.
٣-يجب أن يسمح للعامة الذين ليسوا بأقل مرتبة من الموظفين المدنيين أو الضباط العسكريين بأن يحققوا ما يطمحون له دون أي عرقلة.
٤-جميع عادات الماضي السيئة يجب أن يقلع عنها وأن يحكم على الأمور بناء على قوانين الطبيعة.
٥-يجب نشر المعرفة في أرجاء المعمورة لتقوية أسس الحكم الإمبراطوري

فعلى أساس هذا القسم وحد المجتمع وألغى الطبقات الإجتماعية وأعطي لكل ياباني الحق بالطموح بدون إي عراقيل إجتماعية أو سياسية،من هذا التاريخ بدأت اليابان بالنهوض بعد أن كانت تسمى من جيرانها (بدولة الهمج) فبدأ اليابانيين بالتطور على ثلاثة مراحل 

١-الزراعة 
٢-ثم إنتقلوا إلى الصناعة الخفيفة 
٣-وبعدها توجهوا للصناعة الثقيلة 

وهذه المراحل الثلاث مرت فيها جميع الدول الثرية الحديثة عدا دول الخليج ولهذه المراحل أهمية كبيرة مهملة بدول الخليج وأهميتها تكمن بأنه من خلال هذه المراحل يتكون (ذكاء المجتمع) الذي من خلاله يستطيع أن يدير شؤونه عندما تتحق له الوفرة المالية فهي خبرة المجتمع وذكائه التي بدونها لن يكون مؤهل من الحفاظ على ثورته المالية فالمجتمع الذي لم يمر بهذه التجارب كالشخص الذي ولد لأب كافح حتى أصبح غني ولم يعلم ولده على إدارة أموال فيقوم الولد بحرقها ليشعل سيجار أو حتى يطهو بها.

فدول الخليج حققت الطفرة المالية بدون إي تعب للحصول عليها فكانت مجرد صدفة فلا تتوفر لهذه الدول الخبرة والذكاء الإجتماعي على إدارة هذه المبالغ المالية 

وقد أثبتت الدراسات أن المجتمع الذي يمر بهذه المراحل الثلاث يكون أكثر ذكاء من المجتمعات التي لم تمر بها وهذا ينعكس على الفرد أيضاً وليس بسبب العرق أو اللون طبعا ولكن بسبب الخبرة الإجتماعية وإحتكاك هذا الفرد بمجتمع ذكي ، وأثبتت الدراسات أيضاً بأن الشخص المهاجر للمجتمعات الذكية يصبح أكثر ذكاء بعد الإنخراط بهذه المجتمعات. وهذا لا يعني عدم وجود طفرات مؤقتة بالمجتمعات التي لم تمر بهذه التجارب لكن الكلام هنا عن الغالب. والحل لدول الخليج يكمن بالنظر للتجربة اليابانية وما قام به الإمبراطور ميجي ومحاولة تكراره بطرق أكثر حداثة وتطور بما يناسب مجتمعاتها. وإستيراد الخبرات الإجتماعية المفيدة وغرسه بالمجتمعات الخليجية.

بقلم : بدر سعيد الفيلكاوي

تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله.

    اخي بدر، اشكرك اولا على كتابتك هذه، و اسأل الله ان يوفقكم لكل خير و افضل ان شاء الله.

    ما خص كتابتك هذه اعتقد انك ربما تحتاج لتوضيح كلمة "دولة الهمج" بشكل اكثر.

    لانك لو تتبعت تاريخ اليابان في القرن الخامس عشر و السادس عشر، ستجد ان المؤرخين الغربيين وجدوا في اليابان ثروة بشرية و ثقافية فاقت تلك التي كانت موجودة في اوروبا، فلو انك ذهبت الى اليساندو فاليجنانو ستجد انه قال ان اليابانيين لم يفوقوا من حولهم فحسب، بل فاقوا حتى الاوروبيين!

    فكيف يتوافق ذلك مع ما تطلقه عليهم من كلمة "دولة الهمج" ؟

    اعتقد اخي الكريم انك ربما قصدت تجارة النانبان التي كانت موجودة في تلك الفترة، لان هذه التجارة اطلق عليها 南蛮貿易 و تعني "تجارة البرابرة الجنوبيين" ، لذلك ربما وجدت في هذه الكلمة وصفا لهم كونهم "همج" ، الا ان ذلك غير صحيح.

    لان هذه الكلمه اُخذت من النانمان وهم سكان جنوب شرق اسيا، و الذي يعتقد انهم هاجروا الى جنوب اليابان و تحديدا جزيرة كيوشو واستقروا فيها، و لكن .. من اطلقها عليهم ؟ هم الصينيين !

    لكنهم لم يطلقوا ذلك اللقب على من سكن اليابان في تلك الفترة و التي اشتهرت بها تجارة النانبان، بل التصقت فيهم اثنيا و عرقيا كون ان الاعتقاد السائد ان سكان اليابان هم النانمان.

    اليابان اخي الكريم حتى اثناء اكبر محنها و هي فترة السينغوكو قامت باحتلال كوريا لاكثر من ٦ سنوات على عهد هيديوشي هاشيبا ( تويوتومي ) ، و استطاعت في تلك الفترة ان تزدهر تجاريا بشكل غير مسبوق على عهد اودا نوبوناغا و بعد فترة هيديوشي استقرت في يد ايياسو توكوقاوا، ثم قاومت البرتغاليين و الهولنديين بفرض سياسة العزلة لاكثر من ٢٠٠ سنة دون ان يمس ذلك سلبا باقتصادهم... فكيف لدولة مثل هذه ان ان تكون دولة همج ؟

    لا يمكن اخي الكريم ان تكون دولة تتبنى الهمجية محلا للابداع و الازدهار، لان ذلك لا يمكن ان يتوافر فيه شروط المنطق و المقدمات الاستدلالية لتوصلنا الى نتيجة نسلم بها بسبب تسليمنا المسبق لتلك المقدمات، اذ ان الازدهار يجب ان يكون مسبوقا بنظام دولة مرن و سلس و حيادي و راقي، لا العكس.

    ثم ان هناك نقطة مهمة اخي الكريم، و هي ان الامبراطور ميجي عندما وضع الدستور وضعه لخدمة النظام الامبراطوري اكثر من خدمة الشعب، فلو انك تتبعت المادة الثالثة قستجد انها تنص انه مقدس، و المادة الحادية عشر تنص انه يتحكم بالاساطيل العسكرية البحرية و البرية و هذا ما اوقعه في خلاف مع القادة، و المادة الرابعه تنص انه رأس السلطة و انه يتحكم بكل السلطات الثلاث ، اذا كيف لهذا الدستور ان يكون مثالا يحتذى به ؟

    بل من سخرية القدر ، ان ثورة الامبراطور على الشوغن ( رئيس الوزراء ) كانت بسبب تزمت الاخير و تشبثه بالسلطة، الا اننا نجد هنا ان الامبراطور قد قام بما قام به خصمه !

    مقالك جميل اخي بدر، و في الحقيقة شدني ذلك لاقول ما جال بخاطري، و سامحونا على اطالتنا .. و شكرا لكم ❤️

    اخوك / عبدالله فاضل كرم القلاف

    ردحذف
  2. وعليكم السلام ورحمة الله
    أعتذر على تأخري بالرد لكثرة المشاغل

    أستاذي الكريم
    ردّك جميل جداً وملاحظاتك في محلها تدل على إطلاعك الواسع في التاريخ الياباني

    كما تعلم أستاذ بأن أي تاريخ بالعالم يوجد فيه أختلاف في تفاصيله ولا أحد يستطيع أن يقول بأنه يملك الحقيقة التاريخية ولكن عادةً لايكون هناك خلاف بالخطوط العريضة للتاريخ

    لم يكن الهدف من المقالة السرد التاريخي نهائيا بل كان الهدف هو الإستفادة من التجارب اليابانية في التطور ولا أعتقد بأن هناك خلاف على الخطوط العريضة للتاريخ الياباني المذكور بالمقال

    فالمقال لن يختلف معناه اذا كان الصينيين لا يسمون اليابانيين بالهمج
    ولكن
    من الثابت لدى اليابانيين والصينيين هذه التسمية (دولة الهمج)
    وما أقصده ليس ما ذكرت هنائيا بل المسمى كان 倭国
    وهذا ما تم ذكره في 旧唐書
    日本国者には,,日本國者 倭國之別種也 以其國在日邊 故以日本爲名 或曰 倭國自惡其名不雅 改爲日本 或云 日本舊
    小國 併倭國之地

    وبالنهاية أشكر اهتمامك ورد الذي استفدت منه كثيرا🌹

    اخوك بدر سعيد الفيلكاوي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نادي التاريخ الثقافي

المذكرات الشخصية كمصدر تاريخي

( النساء في الاندلس )